728 x 90



img

منذ قديم الأزل عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على الأرض وكانت حياته تمر بشكل طبيعي لم يعاني من أية مشكلة سوى البحث عن الطعام والشراب والمسكن ، ومعنى ذلك أن ظاهرة الإحتراق النفسي ليست بظاهرة قديمة بل إنها ظاهرة ظهرت عند تطور الإنسان في حياته اليومية وفي تفكيره فلم تكن كافة مشاكله تتمحور حول البحث عن المأكل والملبس والمسكن ، وأصبح يبحث على التطور وكل ماهو جديد ، ونتيجة لذلك أضحى الإنسان يواجه في حياته المتطورة والحديثة والتي تمتلئ بالتغيرات الإقتصادية والثقافية والإجتماعية العديد من مشكلات التوتر ، والضغوط النفسية التي يتعرض لها الفرد في مختلف الأعمار نظرا لكثرة مطالب الحياة وتعددها ، حيث أن الضغوطات تتمحور حول المجالات التي تستدعي التكيف مع الكثير من المشكلات المعقدة ، ولقد صاحب التقدم التكنولوجي ضغوط وأزمات نفسية ، ونتيجة لذلك التقدم ترك الكثير من الآثار على حياة الأفراد .
وتعتبر ظاهرة الإحتراق النفسي من أكثر الظواهر النفسية والإجتماعية تعقيدا ، والتي احتلت مكانا كبيرا في الوقت المعاصر ، ووهذه الظاهرة لا تتم بشكل مفاجئ وإنما تحدث بشكل متدرج ففي بداية الأمر يكون الفرد في كامل الرضا عن العمل الذي يقوم به ، ولكن عندما لا يجد ما يتناسب معه في القيام بهذا العمل تبدأ نسبة الرضا بالإنخفاض بشكل تدريجي ، ثم يبدأ الفرد بالعمل بكفاءة عادية ، وتقل نسبة إنجازه للعمل ، ويبدأ الشعور بالإرهاق البدني والذهني ، ويزداد هذا الشعور شيئا فشيئا ، حتى يصل إلى الفرد إلى أعلى درجات الإحتراق النفسي ، ويظهر هذا بشكل ملاحظ في سلوكياته ، وحالته النفسية بشكل في غاية السوء والخطورة حتى يصل الفرد في نهاية الأمر إلى مرحلة الإنفجار النفسي ، وهذا يؤدي إلى نتيجتين إما أن يفضل الفرد أن يترك العمل الذي يقوم به نتيجة عدم وجود الراحة النفسية والإحتراق النفسي الذي يعاني منه ، أو المرحلة الصعب من ذلك ، وهي التفكير في الهروب من الحياة عن طريق الإنتحار .
ويوجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الإحتراق النفسي ، ومنها عل سبيل الحصر ، فقد يأتي الإحتراق نتيجة الضغوط النفسية التي تحدث بسبب الكميات الهائلة من الوظائف الذي يقوم بها الفرد ، كما أنه يحدث هذا الإحتراق لدى الأفراد الذين يوجد لديهم الحس العالي بالمسؤولية الكاملة تجاه الأعمال التي توجه إليهم للقيام بها ، والذين يقومون بأداء الأعمال على أكمل وجه وبشكل مثالي .
ومن ضمن الأسباب التي تؤدي إلى الإحتراق النفسي عدم وجود التكيف بين الإنسان وطبيعته الشخصية وبيئة العمل المحيطة به ، وكلما ازداد هذا الشعور بعدم التأقلم ، إزدادت نسبة حدوث الإحتراق النفسي نتيجة تواجد الفرد في هذه البيئة التي يعمل بها ، وأن أساس أسباب الإحتراق النفسي تتضمن الكثير من الظروف الإقتصادية والأساليب الإدارية المستخدمة في تنظيم العمل .
ومن بين الأسباب أيضا عدم التقدير أو قلة التحفيز ، وذلك يظهر عندما يقوم الموظف بآداء الأدوار والمهام التي تطلب منه ، ويبذل الكثير من الجهد من أجل تحقيق الأهداف والنتائج المطلوبة منه ، مما يتطلب هذا الموظف الكثير من الوقت ، ولا يجد مقابل سواءا كان هذا المقابل من الناحية المادية أو المعنوية .
كما يؤدي الإحتراق النفسي إلى الشعور بالإكتئاب والملل والكره الشديد للعمل .
وللوقاية من الإحتراق النفسي يجب أن يعيش الفرد في بيئة متوازنة من كافة الجوانب النفسية والبدنية والإجتماعية وأن ينال الفرد قدر كبير من الإسترخاء الذهني للتخلص من كافة الإنتهاكات النفسية التي يتعرض لها الفرد .
ومن أهم العوامل التي تساعد الفرد على الوقاية من الإحتراق النفسي أن يكون لديه العديد من الصداقات التي تقدم له العون والمساعدة ، وتساعده على إدارة حياته بشكل جيد ، كما أنها تساعده على تخطي كافة الصعوبات ، والضغوطات التي يتعرض لها الفرد في حياته الشخصية بشكل عام ، وفي العمل بشكل خاص .
ويجب على الفرد أيضا أن يأخذ قدر كبير من الراحة الذهنية بالإبتعاد عن العمل وضغوطاته قدر الإمكان ، ولا يجب أن يستمر الفرد في العمل عدد من الساعات أكثر من ساعات العمل المحددة لأن هذا من أنواع الضغط النفسي على الفرد ، والذي قد يؤدي به إلى الملل والكراهية من العمل نتيجة الإحتراق النفسي الذي يصاب به .

الدكتور / العربي عطاء الله قويدري
إستشاري في الإرشاد النفسي والأسري