728 x 90



img

يعتقد الكثيرمن الناس أن قوة الارادة ، هي كل ما يحتاجه المدمن إن كان يهدف إلي التعافي من إدمانه، ولكن الواقع والحقيقة يقولان غير ذلك ، فحينما يفشل الانسان أى انسان، في السيطرة علي المادة المخدرة أو التحكم في نشاط من الانشطة، يحدث إحباط لذلك الشخص، مما يؤدي إلي فقدانه القدرة علي السيطرة علي تعاطي ذلك المخدر أو ذلك النشاط ، السبب في ذلك ان أصل الادمان وأساسه ليس في المخدر أو النشاط ، وانما هو الشوق أو الرغبه أو اللهفة لتغيير الحالة النفسية – التي عليها الفرد، (من حياة الملل والروتين والتوتر القلق إلي حياة المتعة والفرح والانشراح والفرفشة)، وكل ذلك من وجهة نظر المدمن وهي افكار متوهمة ومتخيلة فالادمان يحول حياة الشخص والمجتمع إلي جحيم لا يطاق. ومن هنا يصبح التعافي في نتيجته النهائية ، تغييرا لأسلوب الحياة التي تسير عليه حياة المدمن، بمعني أخر فالتعافي من الادمان يؤدي إلي التخلص من أسلوب الحياة القديم (حياة الادمان) وأكتساب اسلوب حياة جديد (حياة التعافي). وتظهر نتائج البحث النفسي الإكلينيكي المتراكمة في مجال تشخيص وعلاج الادمان، أن المدمن لا يحتاج فقط الي قدر كبير من السيطرة علي النفس للتعافي من الادمان: فالفكرة التي تقول التالي ( لو تبذل جهدا أكبر فأنك بالتاكيد سوف تتوقف عن الشراب أو الشره في تناول الطعام، أو تعاطي الكوكايين. فمقولة أن كل ما تحتاجة هي قوة الإرادة. هقي مقولة منقوصة ، فالذي يحول بين المدمن وبين الشفاء هو اعتمادة علي قوة الإرادة دون غيرها . فالمدمن إذا لجاء الي قوة الارادة ، قد يخرج من الإدمان في مدة شهر وقد تطول هذه المدة وقد تنقص عن ذلك . ولكن ذلك الشفاء لن يستمر طويلا ، فسوف تحدث الإنتكاسة أجلا أو عاجلا عندما تشتد عليه ضغوط الحياة، ويعود المدمن الي إدمانة مرة آخري. وقد ينجح المدمن في التغلب علي شكل من اشكال الإدمان باستعمال قوة الاردة ليجد نفسه أسيرا لنوع أخر من أنواع الإدمان الكثيرة والمتعددة. كما هو الحال عند الشخص (ص) الذي توقف عن الشراب ولكنه بدء إساءة استعمال المخدرات، أو كما حدث مع الشخص (ع) عندما توقف عن إدمان تناول الطعام ، ليتحول إلي إدمان تعاطي الكوكايين. معني ذلك أن المدمن قد يلجيء إلي قوة الإرادة في تخليص نفسه من أعراض الادمان الذي يعاني منه، ولكنه يظل معرضا للانتكاسة والعودة الي ادمانه السابق من جديد، أو قد يدمن بعض السلوكيات القهرية الأخري ويستمر في ذلك الإدمان الي ان يحدث تغييرات إيجابية داخل نفسه.


قوة الإرادة في حد ذاتها لا تكفي لعلاج الادمان نظرا لانها تنبع في الأساس من التفكير الذي يسبب الإدمان ذاته – ومثال علي ذلك ، الفكرة الخاطيئة التي تقول بإنه لابد ان يكون - هناك حلا سريعا وعاجلا لكل شيء - ومن الاعتقادات الخاطئة والتي قد تسبب الإنتكاسة المعتقد الذي يري، أننا إذا مارسنا قدرا كافيا من السيطرة فإن ذلك قد يجنبنا كل القلق والتوتر. ونظرا لأننا تربينا ونشأنا في مجتمع يعتمد أعتمادا كبيرا علي الحلول العاجلة السريعة. فليس من الغرابة في شيء أننا عندما نحاول كسر أى نوع من أنواع الإدمان، نكون قد أقتربنا منه في ذات الوقت. والفكر الذي يسيطر علي أذهاننا هو " لابد أن يكون هناك مخرج سهل".
أستخدم قوة الارادة في كسر أى نوع من أنواع الإدمان هو ما يطلق عليه اسم "تغيير النسق الأول " فقوة الإرادة فقط يستحيل أن تعمل عملها علي مايرام ، في مثل هذا الظرف ، لانها تنبع شأنها في ذلك شأن المشكلة نفسها ، من المعتقدات الخاطئة والأفكار اللاعقلانية ذاتها ، والمدمن علي سبيل المثال يفقد سيطرته علي تعاطي المخدرات التي تحدث تغييرا في الحالة النفسية ، إذن فكيف يستطيع هذا المدمن أن يحاول السيطرة من جديد علي تعاطي تلك المخدرات.
ومن منظور تغيير النسق الثاني تجري إعادة صياغة المشكلة داخل تركيبة ذهنية مختلفة من المفاهيم والمعتقدات الإيجابية . وتغيير النسق الثاني في الأدمان يعني عدم بذل جهد أكبر في السيطرة علي الإدمان ، أو إن شئت الدقة فقل إنه يعني أيضا رفع اليدين والتسليم بالهزيمة والأعتراف بها . وأنه لا يقوم بالسيطرة فعلا.

والمدمن يجد صعوبة كبير في ابتلاع هذه الفكرة والتسليم بها , ولكن ذلك يبدو عكس الذي ينبغي أن يفعله, نحن نطلب منه أن يتوقف هذا هو ما يريده بالفعل ، لان هذا ما ينبغي أن يكون ، إن أول خطوة يجب أن نبدأ بها في علاج الإدمان ، هو أن أية محاولة جادة من جانب المدمن للتعافي من الإدمان ويصبح سويا ومقبولا, ويؤدي أداء حسنا، وأن يكون شخصا طبيعيا، هو أن يتقبل المدمن نفسه بالشكل الذى هو عليه الأن (مدمنا) وعندما يعترف بأنه فاقد السيطرة، هنا فقط يبدأ مثل هذا الشخص المدمن استعادة السيطرة من من جديد. وهذا شكل من أشكال التناقض الظاهري، ولكن عملية الشفاء من الادمان تنطوي علي كثيرا من اشكال ذلك التناقض.

يتبع
دكتور عاشور ابراهيم عبد الرحمن حسين
إختصاصي نفسي إكلينيكي /قسم الطب الباطني
مستشفى حمد العام