728 x 90



img

بصمة :
تعلم من مدرسة الحج

عبادة الحج تتجسد فيها قمة العمل التربوي، لتصبح ميدان تربية متكاملة، وتهذيبا قويما للنفس، وإصلاحا وتغييرا للسلوك، بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى، وذلك لما للحج من مكانة في النفوس وشوق في القلوب، ولهفة وولع يعتصر أفئدة المؤمنين، وإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الحج مدرسة تربوية متكاملة، اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال .
ففي رحلة الحج تتحقق الرغبة واللهفة في نفس الحاج ، حيث يحمله الشوق واللهفة إلى القيام برحلة الحج، شوق إلى لقاء الله ورؤية بيته الحرام، وشوق للسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، وشوق لتجديد العهد والبيعة مع الله، وهي مظاهر تدل على مدى حرص المسلم وإقباله طواعية على هذه العبادة مما ييسر تحقق أهدافها التربوية في النفس .
بيئة صالحة للتربية، فلا أروع من بيئة تضم بيت الله الحرام ومسجد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والبقاع الطاهرة التي وقف عليها رسول الله، وموضع آثار أقدام الشهداء والمجاهدين من الصحابة الكرام، فتجتمع بذلك أطهر بيئة صالحة للتربية والتأثير والتغيير في نفس المسلم .
منهج تربوي متكامل، من خلال مناسك تتدرج بالمسلم خطوة خطوة، وتسمو بنفسه، وتعلي من إيمانياته، تأخذ بيده إلى الله ، فنجد الحاج، يقرأ فقه الحج والعمرة كاملا بكل أحكامه، ويقرأ في الجوانب الروحية المنبثقة من الحج، وينظر في محظورات الإحرام لتجنبها، وأحكام الفدية والهدي وغير ذلك من قراءات تتعلق بالحج ، ويظهر الأثر الحقيقي للمنهج هنا في حرص المسلم على الإلمام به كله إلماما تاما، متمثلا جوانب المنهج الثلاثة( المعرفية والوجدانية والسلوكية) .
وسائل تربوية متعددة، تشمل الرحلة الطويلة والقصيرة الداخلية والخارجية، المبيتات الروحية والمعسكرات و المخيمات والندوات التي تقام طوال الرحلة، ووسائل تزكية النفس المتعددة من خلال الصلوات في الحرم، والاعتكاف فيه، والطواف والسعي، فنرى في الإحرام تربية، وفي التلبية تربية، وفي الطواف تربية، وفي السعي تربية، وفي رمي الجمرات تربية، وفي الحلق أو التقصير تربية، وفي الصلاة في الحرم تربية، وفي الاعتكاف فيه تربية، ومن هنا فإن الحج مدرسة تربوية متكاملة، تربي المسلم تربية عقائدية وإيمانية وأخلاقية .... الخ،
وهذه هي مقومات النجاح لأي منهج تربوي، أن يتوفر لدى المتلقي له الرغبة في الإلمام به واستيعابه وأن يتأثر به في أفعاله وتصرفاته، مع وجود منهج تربوي مناسب وبيئة تربوية معينة وصحبة صالحة تأخذ بيده، وهذا ما يقع للمسلم في رحلة الحج.

نفسيات
الحج يعززالصحة النفسية

يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن الذي ينهك قوى الإنسان هو كثرة الهموم والمشاكل التي يتعرض لها في حياته، وأن أفضل طريقة لإعادة التوازن له هو أن يفرّغ هذه "الشحنات السلبية" المتراكمة بفعل الأحداث التي يمر بها. وعملية التفريغ هذه ضرورية ليتمكن الإنسان من العيش حياة أفضل وليستطيع استثمار طاقاته بشكل أفضل. ولذلك تجدهم كل عام يذهبون للسياحة والاصطياف للسفر والتنزه للعالم الغربي الذي نجد فيه أكبر نسبة من الأمراض النفسية و الانتحار .
ولكن الإسلام ولله الحمد قبل أربعة عشر قرنا دلنا على الطريق الصحيح من أجل إعادة التوازن لدى الإنسان وتفريغ جميع الشحنات السلبية والأحزان والهموم ، ويرجع كيوم ولدته أمه نظيفا طاهرا وهذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " .
إن رحلة الحج على ما فيها من مشقة وتعب وغربة وصعوبات، تعتبر حلم كل مؤمن لما يجده من الراحة النفسية الكبيرة بعد الحج ، فما هو سرّ هذه الراحة النفسية التي يلمسها كل إنسان ذهب لأداء هذه الفريضة؟ إن الجواب بسيط، وهو أن هذه العبادة إذا أداها الإنسان بشكل صحيح فإنها تقوم بعملية أو تفريغ الشحنات السلبية واستبدالها بالشحنات الإيجابية.
الوقوف في عرفات للتأمل والدعاء ومراجعة النفس من أهم أركان الحج.يعتبر العلاج بالتأمل أحد أهم أنواع العلاج بالطب البديل، ويعتبر العلماء أن التأمل يعالج اضطرابات القلق بشكل أساسي. إن التأمل هو إستراتيجية رائعة لتنظيم عمل الجسم والقضاء على مختلف الاضطرابات النفسية والعصبية .
إن رياضة التأمل تحسن القدرات العقلية وتكسب الجسم قدرة أفضل على النوم براحة تامة، ويزيد القدرة على الإبداع والقدرة على حل المشاكل، وزيادة النشاط العصبي للدماغ، كذلك فإن التأمل يزيد إفراز بعض المواد الكيميائية في الدماغ والتي تؤدي إلى إطالة العمر.
ونلاحظ أيضا أن النظر والتأمل في الكعبة المشرفة تمنح المؤمن طاقة إضافية بسبب الألوان المهيبة التي يراها، فإذا كان الأطباء يعالجون مرضاهم بالنظر إلى أشياء عادية مثل شجرة أو منظر أو لون محدد، فكيف بمن ينظر إلى بيت الله؟ تعتبر الألوان وسيلة مهمة في الطب البديل، وإن الذي يذهب في رحلة الحج ويمتع نظره بتأمل الكعبة المشرفة سوف يجد قوة ونشاطاً وسعادة في نفسه، فاللون الأسود الذي يتجلى على الكعبة وما كُتب عليها من آيات بالذهب يعطي إحساساً بالحيوية والنشاط، بل يساعد على شفاء الكثير من الأمراض .
وإن الذي يقترب من الحجر الأسود ويلمسه ويقبّله يحسّ بنوع من أنواع الراحة والطمأنينة، وهذا يدل على خصوصية هذا الحجر المقدس وفائدة النظر إليه وتقبيله ولمسه، لأن ذلك يمدّنا بالطاقة، ولذلك فإن كل من يقبل هذا الحجر يشعر بنشاط وقوة غريبة . وربما يكون هذا هو السر في عمل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، أنه كان يبدأ الطواف من قرب هذا الحجر بعد تقبيله ولمسه وينتهي إليه، وعملية اللمس هنا لها دلالات في علم الطاقة، حيث تعبر عن اكتساب كمية من الطاقة من هذا الحجر
إن رحلة الحج تربي في المسلم، بما فيها من متاعب وصعاب وإجهاد، فضيلة الصبر وتمرنه على تحمل كل المضايقات وكيفية الاعتماد على نفسه لحل مشكلاته، فضلا عن ضبط نفسه وسلوكياته وصرفه عن الانفعالات المرفوضة بما فيها من عصبية وسباب.
وهنالك عادات نادراً ما نلتفت إليها، مثل الجدال، فهذه العادة السيئة كثيراً ما تورث الخصام مع الآخرين وتسبب ضياع الوقت والجهد، إلا المجادلة بالتي هي أحسن، وهذه قليلة في عصرنا هذا. ومن أسس الحج الصحيح تجنب الجدال والمناقشات العقيمة. إذن الحج هو تمرين على رياضة الامتناع عن الجدال ومعاملة الناس بالحسنى .
و أفضل ما يعود به الحاج من رحلته المباركة هو حالة الصفاء النفسي والتوازن المزاجي التي سيطرت عليه خلال رحلته منذ خروجه من بيته وحتى عودته، فالإنسان في هذه الرحلة يتخلص من كل همومه ومشكلاته ومشاغله حتى ولو كان هذا التخلص مؤقتا خلال الرحلة فقط، وهذا يساعد الإنسان على أن يعيش حالة نادرة من الصفاء والراحة النفسية تريحه من كثير من الهموم والمتاعب النفسية التي تسببها ضغوط الحياة المستمرة.

مهارات حياتية:

- إن على الرجل أن يسكت إذا غضبت زوجته ، وعليها أن تسكت هي إذا غضب حتى تهدأ الثائرة ، وتبرد المشاعر وتسكن اضطرابات النفس .
- ما أحوجنا إلى المثابرة واستثمار الوقت ، ومسابقة الأنفاس بالعمل الصالح النافع المفيد .
- التوسط في المعيشة أفضل ما يكون فلا غنى مطغيا ولا فقرا منسيا ، وإنما ما كفى وسقى وقضى الغرض وأتى بالمقصود في المعيشة ، فهو أجل العيش عائدة وأحسن القوت فائدة .
- إذا انتهى وقت المشاورة والاستخارة ، وعزمت وتوكلت وصممت وجزمت ، فاترك حياة التردد والاضطراب .
- إن التردد فساد في الرأي وبرود في الهمة وخور في التصميم وشتات للجهد وإخفاق في السير .

تفاءل وابدأ الحياة :

- إن حياتنا تحتاج إلى رفق نرفق بإخواننا ، نرفق بالمرأة .
- إن العجلة والهوج والطيش في أخذ الأمور وتناول الأشياء كفيلة بحصول الضرر وتفويت المنفعة ، لأن الخير بني على الرفق " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه " .
- إن الرفق في التعامل تذعن له الأرواح وتنقاد له القلوب وتخشع له النفوس .
- إن الرفيق من البشر مفتاح لكل خير تستسلم له النفوس المستعصية ، وتثوب إليه القلوب الحاقدة .
- اترك المستقبل حتى يأتي ولا تهتم بالغد ، لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك .
- عليك بالمشي والرياضة ، واجتنب الكسل والخمول واهجر الفراغ والبطالة .
- جدد حياتك ونوع أساليب معيشتك وغيّر من الروتين الذي تعيشه .
- عش مع القرآن حفظا وتلاوة وسماعا وتدبرا فإن من أعظم العلاج لطرد الحزن والهم .
- اعف عمن ظلمك ، وصل من قطعك ، وأعط من حرمك واحلم على من أساء إليك تجد السرور والأمن

( من إعداد الدكتور / العربي عطاء الله )
إستشاري في الإرشاد النفسي والأسري