728 x 90



img

المجمتع عبارة عن مجموعات انتظمت فيما بينها، وكل مجموعة لها هويتها التي يتشارك فيها أفرادها نفس المعتقدات والعادات والتقاليد والقيم، ويختلف الآباء في نمط تربيتهم لأبنائهم بحسب قيمهم ومعتقداتهم والإطار الثقافي لهم. وسوف نتحدث عن أنماط التربية الوالدية وأثر هذه الأنماط على الصحة النفسية للأبناء.
أنماط المعاملة الوالدية Parenting Styles
هناك عدة أنماط للمعاملة الوالدية، فوفقا للباحثة Diana Baumrind (1971) تم تقسيم أنماط التربية الوالدية إلى ثلاثة أنماط هي:

النمط الاستبدادي المتشدد Authoritarian style:

وفيه تكون متطلبات الوالدان من الابن عالية جدا؛ حيث يجب الالتزام بالقواعد الصارمة، والحوار قليل جدا بين الوالد والابن، كما أن مستوى الدفء الوالدي قليل، وضعف التفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء، ونمط العلاقة يعتمد على السلطوية والدكتاتورية، ويجب على الطفل الطاعة لوالديه؛ فهم يقرران بالنيابة عنه بداعي أنه لا يعرف مصلحته، وفي هذا تقييد لحريته واستقلاليته (Dewairy & Menshar, 2006). والمراهقون الذين يبدأون في رفض الدين قد يرفضون أنماط السلطة الوالدية أكثر من رفضهم للدين نفسه (Giesbrecht, 1995; Abar et al., 2009)؛ ولذلك قد يفقد الآباء المتدينون الذين يمارسون السلطة المستبدة السيطرة على أبنائهم في مرحلة المراهقة ويؤدي بأبنائهم إلى التمرد على القيم الدينية واتباع أنماط سلوكية مغايرة عما كانوا يُرْغَمون عليه من قبل.

النمط الحازم السلطوي Authoritative style:

وهو نمط يرتكز على الطفل؛ حيث أن الآباء لديهم توقعات عالية ناحية نضج أطفالهم، فهم يحاولون فهم مشاعرهم ويعلمونهم كيفية تنظيم هذه المشاعر، ويشجعونهم على أن يكونوا مستقلين بذواتهم ويعتمدون على أنفسهم (Abar, Carter & Winsler, 2009) وفي الوقت ذاته يتحكم الآباء في بعض سلوكياتهم ويوجهونها، ويناقشون مع أطفالهم لماذا يقومون بصنع القواعد وسوف يستمعون لمشاعر أطفالهم عنهم (Anoliefo, 2016). وهذا النمط يرتبط بالدفء الوالدي، والتفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء، وتشجيع التفكير الديمقراطي.

النمط المتساهل Permissive style:

في هذا النمط من الوالدية هناك نوع من الحرية لدى الأطفال في اتخاذ قراراتهم؛ حيث يسمح الآباء لهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم (Gafor, 2014) ، وتتميز العلاقة بين الوالدين والأبناء بالدفء الشديد، والتفاعل يكون بدرجة عالية جدا بين الآباء والأبناء بدرجة أكبر من النمط السلطوي، كما أنهم قليو التوجيه لأبنائهم وفي حال الوقوع في الخطأ لا ينبهونهم لعواقب تلك الأخطاء ويتساهلون معهم على اعتبار أن لهم استقلاليتهم الخاصة (Abar et al., 2009)، وهناك بعض القيود على الأبناء ولكن بدرجة أقل من النمط السلطوي Authoritative، كما يشجع الآباء الذين يتبنون الأسلوب المتسامح على استقلالية أطفالهم وتمكينهم من تنظيم أنشطتهم الخاصة، كذلك فإنهم يتفادون المواجهة مع أبنائهم ويميلون إلى أن يكونوا دافئين، وداعمين لهم، ولا يهتمون بأن ينظر إليهم أطفالهم على أنهم شخصيات ذوي سلطة (Dwairy & Menshar, 2006).
ولقد وُجِدَ أن العائلات ذات المستوى المرتفع من التدين هي عائلات أكثر صرامة وأكثر استبدادية Authoritarian، وهناك احتمال ضعيف أن ينتهجوا الأسلوب السلطوي Authoritative Style الأقل حدة من الاستبدادي (Ellison & Sherkat, 1993; Abar et al., 2009)، ويخشى الآباء المتدينون فقدان السيطرة على أبنائهم ظنا منهم أن ذلك قد يؤدي إلى أن يسلك الأبناء مسارات أخرى بعيدة عن التدين (Abar et al., 2009). ومع دخول الأبناء مرحلة المراهقة تصبح الاعتمادية على الذات والاستقلالية وتشكيل الهوية الفردية والحق في اتخاذ القرارات وتقرير المصير ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمراهق (Feldman & Elliott, 1993; Abar et al., 2006)، كذلك فإن بحث المراهق عن هويته من خلال الاستقلال عن الآخرين غالبا ما يؤدي إلى تمرده ورفضه للقيم التي يتبناها الوالدان وأول هذه القيم هي القيم الدينية (Markstrom-Adams & Smith, 1996; Sabatelli& Mazor, 1985; Abar et al., 2009) ولقد وجد Ozorak (1987) أن احتمالية هذا الرفض والتمرد خلال فترة المراهقة ربما تعود إلى استغلال السلطة التربوية لإرغام المراهقين على التقيد بسلوكيات وممارسات دينية معينة قد لا يقبلها المراهق (Abar et al., 2009).
ونود أن نشير إلى أن النمط الاستبدادي Authoritarian style يكثر استخدامه في المجتمعات المحافظة كالمجتمع الصيني والمجتمعات العربية وعلى رأسها المجتمع السعودي الذي يتميز بالمحافظة الشديدة، ففي دراسة أجريت بين طالبات الجامعات السعودية، ذكرت أن 67.5٪ من أفراد العينة تعرضن للعقاب الجسدي في مراحل مختلفة من حياتهن، وعندما تم دراسة مواقفهن تجاه العقاب البدني، وجد أن 65.1٪ من الطالبات بررن ذلك ورأين أنه شيء معتاد وطبيعي (Achoui, 2003; Dwairy et al., 2006) ، ومن خلال ذلك يبدو أن التنشئة الاجتماعية الاستبدادية عند العرب لها معنى وتأثير مختلف عن ذلك المعروف في الغرب عندما يتم تطبيقه داخل ثقافة سلطوية مثل العربية أو الإسلامية، حيث يرى الأبناء ضمن هذه الثقافة أن تطبيق أسلوب العقاب الاستبدادي كواجب طبيعي للوالدين والمعلمين (Dwairy, 1997; Dwairy et al., 2006))
كذلك هناك دراسة أجراها Dwairy وآخرون عام 2006 عن الأنماط الوالدية في المجتمعات العربية على عينة قدرها 2893 من المراهقين من ثماني دول عربية من بينها المملكة العربية السعودية ولنبان، وكان من ضمن نتائج هذه الدراسة أن النمط الوالدي السائد في المملكة العربية السعودية هو النمط المتشدد المستبد Authoritarian style وفسرت الدراسة السبب في ذلك أن المجتمع السعودي هو أكثر المجتمعات العربية محافظة وهو مجتمع جماعي collective society يغلب عليه الطابع الاستبدادي، بينما نمط المعاملة الوالدية السائد في لبنان هو النمط المتسامح المتساهل Permissive Style، والسبب في ذلك هو أن المجتمع اللبناني أكثر انفتاحا على الثقافة الغربية. ولم يجد الباحث في حدود بحثه أي دراسة تناولت نمط الوالدية في المجتمع القطري، وهو لا يختلف كثيرا عن المجتمع السعودي كمجتمع محافظ ولكنه أقل تشددا من المجتمع السعودي.

النمط المهمل Neglectful Style

ولقد أضاف كل من Maccoby و Martin (1983) نمط رابع من أنماط الوالدية وهو النمط المهمل Neglectful أو يسمى Unevolved؛ حيث يتميز الوالدان في هذا النمط بضعف الاستجابة للأبناء وكذلك ضعف شديد في تلبية متطلباتهم واحتياجاتهم (Darling & Steinberg, 1993)، وهم لا يرقبون سلوك أطفالهم ولا يدعمونهم، والتواصل بينهم وبين أبنائهم ضعيف جدا، وينشغلون بمشاكل الحياة ونفقات الأسرة على حساب مراقبة وتوجيه أبنائهم (Cherry, 2013; Efobi &Nwokolo, 2014)، وفي بعض الحالات يرفض الوالدان الطفل ويهملونه (Greenwood, 2013; Efobi et al., 2014)، كما تتميز الوالدية المهملة بمستوى أعلى من عدم الثقة ومستوى أدنى من المشاركة في الأدوار الوالدية مثل التوجيه والتفاعل مع الأبناء والمشاركة الوجدانية، وذلك مقارنة بالأنماط الوالدية الثلاثة: المتشدد، والسلطوي، والمتساهل (Dornbusch, Leiderman, Robert & Fraleigh, 1987).
وبعد أن رأينا هذه الأنماط الأربعة ومظاهرها، سوف نتحدث في الجزء الثاني عن أثر هذه الأنماط الأربعة على الصحة النفسية للأبناء.

بقلم: محمد كمال - مرشد نفسي واجتماعي