728 x 90



img

تحدثنا في الجزء الأول عن الأنماط الوالدية الأربعة، ومظاهرها، وطبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء، والآن ننتقل إلى الجزء الثاني والذي نبدؤه بالتساؤل التالي:
ما أثر نمط الوالدية على بعض الجوانب النفسية لدى الأبناء المراهقين من حيث: جودة العلاقات الاجتماعية، وتقدير الذات، والهدف في الحياة؟

ولقد لوحظ أن أبناء الذين يمارسون النمط المستبد المتشدد من الوالدية Authoritarian Style يعانون من الاكتئاب ونقص تقدير الذات وضعف القدرة على المبادرة وصعوبات في اتخاذ القرارات في مرحلة البلوغ (Whitfield, 1987; Forward, 1989; Baumrind, 1991; Bigner, 1994; Wenar, 1994; Dwairy & Menshar, 2006))
كما وجد Buri وزملاءه (1988) أن أبناء الذين يمارسون النمط السلطوي Authoritative Style لديهم تقديرا كبيرا لذواتهم، كما أنهم أكثر اعتمادية على ذواتهم، ولديهم تحكم ذاتي مرتفع في المشاعر والانفعالات، وهم أكثر شعورا بالأمان، كما أنهم يتمتعون بقدرة كبيرة على إقامة علاقات اجتماعية (Buri, Louiselle, Misukanis, & Mueller, 1988; Wenar, 1994; Dwairy & Menshar, 2006)). كذلك فإن المشاكل السلوكية التي تظهر في هذه الفئة أقل من المشاكل السلوكية التي تظهر بين الأبناء الذين تم تربيتهم باستخدام النمط المتشدد المستبد Authoritarian style والنمط المتساهل (Lamborn, Mants, Steinberg, & Dornbusch, 1991; Dwairy & Menshar, 2006)).
وللمقارنة بين أثر ممارسة النمط السلطوي والنمط المستبد المتشدد على الصحة النفسية للأبناء من فئة الأطفال فقد وُجِد ارتباط بين النمط السلطوي Authoritative Style وقلة الصحة النفسية من حيث العوامل السبعة التالية: مفهوم الذات، تقدير الذات، اضطراب الهوية، اضطراب القلق، الرهاب، الاكتئاب، اضطراب السلوك (Dwairy, 2004b; Dwairy et al., 2006)، وعلى النقيض من ذلك وُجِد أن ممارسة الوالدية السلطوية لها علاقة بارتفاع تقدير واحترام الذات والرضا عن الحياة وخفض درجة الإصابة بالاكتئاب (Milevsky, Schkechter, Nttler & Keehn, 2007)، كما وُجِد أن النمط الاستبدادي المتشدد Authoritarian Style يرتبط بضعف الصحة النفسية لدى الأطفال المراهقين في هذه الجوانب السبعة (Dwairy, 2004a; Dwairy et al., 2006).
أما بالنسبة للنمط المتساهل Permissive Style فإن أبناء الذين يمارسون هذا النمط من الوالدية يعانون من تدني احترام الذات (Baumrind, 1991; Reitman et al., 2002)، كما أن لديهم ضعف في المهارات الاجتماعية، وهم أنانيون لا يبالون باحتياجات الآخرين وما يهمهم فقط هو تلبية احتياجاتهم حتى ولو على حساب الآخرين، أيضا هم أشخاص اعتماديون غير مستقلين؛ حيث يعتمدون على الآخرين في قضاء أمورهم (Bigner, 1994; Wenar, 1994; Dwairy & Menshar, 2006).
وفي دراسة حول الارتباط بين أنماط الوالدية الأربعة (المستبد المتشدد، السلطوي، المتساهل، المهمل) وبين الجرائم الجنائية للأطفال من عمر 14 – 18 لعينة بلغ عددها 1355 طفل من أطفال الأحداث الجانحين في أمريكا، وجد أن الأطفال الذين تعرضوا للنمط الوالدي السلطوي هم أكثر نضجا من الناحية الاجتماعية والنفسية وأكثر كفاءة من الناحية الأكاديمية وأقل عرضة للمشاكل الخارجية من قِبَل أقرانهم، في حين أن الأطفال الذين تعرضوا للنمط المهمل هم أقل نضجا وأقل كفاءة وأكثر عرضة للاضطرابات النفسية (Steinberg, Eisengart & Cauffman, 2006)، كذلك وجد (2005) McGinn و Cukor و Sanderson أن الأفراد الذين يقيِّمون والديهم على أنهم أكثر إهمالا لهم بأن لديهم شعور كبير بالاكتئاب.
وبالنسبة لأثر نمط الوالدية على جنوح المراهقين من الجنسين فلقد وجدت دراسة طولية على عينة من 330 عائلة هولندية؛ حيث تحتوي كل عائلة على مراهق أو مراهقة (14 – 22 عام)، وجدت أن نمط الوالدية المتساهل ارتبط بمستويات أعلى من الجنوح عند الذكور، وارتبط النمط الوالدي المتساهل بمستوى أعلى من الجنوح عند الإناث (Hoeve, Dubas, Gerris, Laan & Smeenk, 2011).
وفي دراسة بعنوان "كيف يؤثر نمط الوالدية على العدوان عند المراهقين"، وهي عبارة عن دراسة تحليلية (Meta-analysis) لـ48 دراسة (عدد أفراد العينة 28,097 طفل)، وكانت من نتائجها هو أن هناك ارتباط إيجابي بين التربية الوالدية القاسية والمهملة وبين العدوان العلائقي لدى المراهقين (Kawabata, Alink, Tseng, Ijzendoorn & Crick, 2011 ).
وفي دراسة أخرى أجريت على عينة من المراهقين الأسبان الذين تتراوح أعمارهم من 12 إلى 18 عام من الجنسين (عدد أفراد العينة 1416)، وهدفت الدراسة إلى التعرف على أثر النمط الوالدي على بعض نواتج بعد الجوانب لدى المراهقين مثل: تقدير الذات والتكيف النفسي والكفاءة الشخصية والاجتماعية والمشكلات السلوكية، وكان من نتائج الدراسة أن كل من النمط المتسلط والمتساهل يرتبطا ارتباطا إيجابيا بهذه الجوانب بطريقة أفضل من كل من النمط المتشدد والنمط المهمل (Garcia &Garcia, 2009).
من خلال ما تقدم من الدراسات العلمية الموثقة عن أنماط الوالدية وتأثير كل نمط على الصحة النفسية للأبناء، يتبين لنا أن النمط المتسلط Authoritative يعد من الأنماط المُحَبَّبة لدى المتخصصين في التربية؛ وذلك لأن نتائج هذا النمط إيجابية وتعود بالنفع على كل من الأبناء والآباء.

بقلم: محمد كمال - مرشد نفسي واجتماعي