728 x 90



img

كشفت إحصائيات صحية أن هناك واحدا من بين كل خمسة أفراد يعانون من أمراض نفسية وأن هناك زيادة في أعداد المراجعين للعيادات النفسية. وأكد الأطباء والخبراء أن قلة الثقافة بأهمية العلاج من الأمراض النفسية أدى لانتشار السحر والشعوذة بين الناس. موضحين أن الكثير من الناس مازالوا يهربون من العلاج في العيادات النفسية بسبب الخجل .

ومن أجل التوعية بالأمراض النفسية، تم إنشاء جمعية أصدقاء الصحة النفسية “وياك” التي تعد من أوائل منظمات المجتمع المدني التي تعطي أهمية للجانب النفسي والصحة النفسية لدى الإنسان. وتعمل الجميعة بكل الوسائل المتاحة من دورات تعليمية وورش ومحاضرات تثقيفية، إضافة إلى استقطاب الخبراء والمختصين ليكونوا أصدقاء الجمعية وتكوين قاعدة من المختصين في الإرشاد النفسي لمعاونة الجمعية في تقديم خدماتها للجمهور. ورغم هذه الجهود، فإن المجتمع مازال يتوجس خيفة من العلاج من الأمراض النفسية وينظر إليها بعين تملأها الرهبة. في هذا التحقيق نحاول التعرف على ما هو المرض النفسي وإلى أي مدى يتقبل المجتمع المريض النفسي ودور جمعية “وياك” في هذا الأمر، وما هو دور المجتمع في هذه القضية.

في البداية، يقول الشيخ ثاني بن عبدالله آل ثاني رائد العمل الإنساني بدولة قطر، إن المرض النفسي هو المرض المنسي، موجود بين أبناء المجتمع ومنتشر، لكنه يعاني الإهمال ولا أحد ينظر إليه؛ بسبب الخطأ الذي يقع فيه الناس بخلط المرض النفسي “بالجنون” وما شابه ذلك، وهذا ما يتماشى مع قول أغلب الأطباء النفسيين أن المجتمع يحترم المرض الجسدي ولايحترم العرض النفسي، رغم أن علاج الأعراض النفسية في كثير من الأحيان لا يتطلب الكثير غير التوجيه والإرشاد فقط.

* حديث العلم

وقال محمد البنعلي المدير التنفيذي لجمعية أصدقاء الصحة النفسية “وياك”، إن أكثر الحالات المترددة على الجمعية تم شفاؤها تماماً من خلال الجلسات و”الفضفضة” ولم تحتاج إلى تدخل دوائي، فمثل هؤلاء فقط يحتاجون لسماع صوت الحكمة الذي يوجههم للخروج من محنتهم، فالعلاج بالدواء لا بد أن يسبقه مراحل عديدة إرشادية وتوعوية، ويعد ذلك هو الجانب الأكبر من العلاج.

* قلة الوعي

ويضيف البنعلي أن العادات والتقاليد الخاطئة الناشئة عن المرض النفسي تأتي نتيجة لقلة الوعي المجتمعي فمثل هذه التقاليد تعطي المريض صفة “المختل عقلياً”، بل طبعت على جبينه وصمة عار تلتصق به إلى أن يموت، متغافلين عن حقيقة أن الجميع يعاني من مشاكل نفسية.

ويضرب البنعلي المثل بالإعاقة الجسدية، فيقول إنها كانت مصدر خجل وسخرية على مر العقود التي مضت في قطر، إلا أن الحال تبدل وأصبحت الإعاقة لا تمثل أي شعور بالخجل أو الاستغراب المجتمعي بسبب حملات التوعية الموسعة والاهتمام الكبير الذي يلقاه ذوو الاحتياجات الخاصة من جميع مؤسسات الدولة، وهذا ما أنجب لنا العديد من الأبطال الرياضيين الذين رفعوا علم الوطن عالياً، متحديين الإعاقة ونجحوا في تحويلها إلى وقود للتألق، ليس على المستوى الرياضي فقط بل على مستوى جميع المجالات الأخرى.

*حملات توعية

ويضيف المدير التنفيذي لجمعية “وياك” أن الحال يتشابه مع المرض النفسي، فهو يحتاج إلى حملات توعية كبيرة في مجالات الإعلام، إلى جانب دعم مؤسسات الدولة الأخرى بمختلف مجالاتها.

*نتائج إيجابية

ومن جهة أخرى، يكشف الدكتور طاهر شلتوت استشاري الطب النفسي بمؤسسة حمد الطبية أن علاج المرض النفسي يعطي نتائج أكثر إيجابية من علاج المرض العضوي الذي قد يترك آثارا سلبية كثيرة بعد علاجه، ويؤكد أن جميع البشر يعانون من الاضطرابات النفسية، مشيرا إلى أن الفكر الشائع الذي يقول إن المرض النفسي يعالج بعقاقير طبية فقط فكر خاطئ، لأن الطبيب النفسي يلجأ للعلاج الدوائي في آخر محطة من رحلة العلاج عندما يصعب السيطرة على الأمر. مؤكدا أن أغلب الحالات تعالج بالتوجيه والإرشاد فقط دون الحاجة إلى التدخل الدوائي.

الشفاء ليس مستحيلاً

وقال الدكتور شلتوت أنه خلال عمله في قطر لأكثر من 20 عاماً لاحظ أن أعداد المراجعيين للعيادات النفسية في ازدياد مستمر، وهذا يوضح ويؤكد لنا أمرين اثنين، الأول أن المرض النفسي في ازدياد بدولة قطر والثاني أن الوعي المجتمعي ارتفع بشكل ملحوظ وكبير خلال السنوات الأخيرة بما أن عددا أكبر من الأفراد أصبحوا يتوجهون للطبيب النفسي. مشيرا إلى أنه للأسف الشعور بالخجل ما زال يلاحق المريض، إلا أن الطب النفسي يشهد تطوراً كبيراً في قطر، فهناك عدة عيادات نفسية متخصصة ومتنوعة لتغطي جميع فئات المجتمع بداية من العيادات النفسية للأطفال .

*دور سيئ للدراما

ومن جانبه، يقول الفنان والمخرج المسرحي علي المالكي، أن الدراما لعبت الدور الأساسي في قلة الوعي، وصورت المريض النفسي بالمجنون ذي الشعر الأشعث والثياب المتسخة، ويؤكد أنه لا توجد أي إيجابيات ملحوظة في أعمال الدراما بخصوص المرض النفسي.

ويشير المالكي إلى ضرورة توضيح حقيقة المريض النفسي من خلال الأعمال الدرامية والفنية وضرورة احتواء المريض ومساندته وتعزيز ذلك بالجانب الديني؛ لأن الإسلام يأمرنا بمد يد العون لكل محتاج والمريض من أشد المحتاجين، ويقول يجب أن تسعى الدراما لتكفير الذنب الذي اقترفته بشأن المرضى النفسيين؛ لأن ذلك المرض مثل أي مرض آخر ويختلف تماماً عن الجنون ويمكن علاجه والتغلب عليه بصورة نهائية وكاملة.

* مصارحة النفس

يقول راشد المسيفري أن المريض النفسي بالنسبة له حاله كحال المريض العضوي الذي يشكو من الحمى أو مغص الامعاء، ذلك لأنه مرض قابل للعلاج، والعلاج لا يكون عن طريق تجنب المريض النفسي أو السخرية منه، بل يكون بمعاونته على تخطي محنته، وهذا ما أمرنا به الدين الاسلامي ويدلل بحديث الرسول صل الله عليه وسلم “المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا”، ويضيف على من يعاني مرضاً نفسياً يجب أن يصارح نفسه أولاً ومن ثم التوجه إلى أهل الاختصاص، فالأمر ليس عيباً أن تصاب بمرض نفسي.

و يقول محمود أيمن أنه لا يخجل من المرض النفسي ويؤكد أنه لا يتجنب التعامل مع المرضى النفسيين، فاحتمالية الإصابة بمرض نفسي كاحتمالية الإصابة بمرض الأنفلونزا، والتكتم على المرض يجعل من المرض قنبلة موقوتة سوف تنفجر يوماً ما، ويشير محمود إلى أنه على استعداد تام أن يجعل من مريض نفسي صديقا حميما له، بل سوف يكون في قمة السعادة أن يشارك في رحلة شفاء إنسان يعانى الأمرين.

خبراء قلة الوعي بالصحة النفسية أدى إلى إنتشار مافيا السحر